الملك تحتمس الثالث وانتصاراته العسكرية وصراعه مع الملكة حتشبسوت
![]() |
تمثال الملك تحتمس الثالث متحف الأقصر |
يعد الملك تحتمس الثالث من الملوك العظام الذين غيروا مجري التاريخ ولا أدل علي ذلك من الحروب التي خاضها سواء في آسيا ضد بقايا الهكسوس أو في سوريا أو في الجنوب، أو المعابد والتماثيل التي أقامها، كما أن الصراع بين الملك تحتمس الثالث والملكة حتشبسوت كان موضوع أثار جدل الكثير من العلماء.
نسبه
ولد عام 1481 ق.م والده الملك تحتمس الثاني ووالدته تدعي "إست" وقد تزوجها تحتمس الثاني علي زوجته السابقة حتشبسوت التي كانت أخته من ناحية أبيه، وله من الأخوات "ستيح" و "حتشبسوت مريت رع".
صراعه مع حتشبسوت
كان الملك تحتمس الثالث الابن البكر للملك تحتمس الثاني حيث أنه لم يرزق من حتشبسوت بأبناء ذكور؛ لذلك فهو الوريث الشرعي للعرش بدون منافس، لكن بحكم صغر سنه فقد أصبحت حتشبسوت وصية علي العرش بعد وفاة أبيه، لكن سرعان ما قامت حتشبسوت بالإستيلاء علي العرش وأعلنت نفسها ملكة شرعية علي البلاد تاركة تحتمس الثالث بعيداً تماماً عن الحكم.
![]() |
تحتمس الثالث وحتشبسوت من المقصورة الحمراء في معبد الكرنك |
كانت هذه الشرارة التي أدت إلي ارتفاع حدة الصراع بين الطرفين، فبمجرد أن ماتت حتشبسوت واختفت بعيداً عن مسرح الأحداث قام تحتمس الثالث بالانتقام من كل أتباع حتشبسوت ورجال بلاطها وعمل علي تدمير آثارهم وأسمائهم بما فيهم المهندس سنموت الذي لم يسلم من هذه الحرب.
كما قام بتدمير آثار حتشبسوت وتماثيلها وقام بمحو أسمائها من علي جدران المعابد وخصوصاً معبد الدير البحري، كما أنه لم يعترف بفترة حكم هذه الملكة وإنما جعل تواريخ حكمه الموجودة علي آثاره تبدأمنذ وفاة والده تحتمس الثاني.
حروبه وانتصاراته العسكرية
كان تحتمس الثالث منذ نعومة أظافره يتمتح بشخصية عسكرية وعبقرية سياسية ليس لها مثيل وحتي توليه الحكم اهتم بالجيش وزوده بالأسلحة والمعدات الحربية وقام بالعديد من الحملات التي بسطت سيطرت مصر في آسيا والنوبة حتي الشلال الرابع.
معركة مجدو
بعد هزيمة الهكسوس علي يد الملك أحمس وتشتتهم في أرجاء الإمبراطورية المصرية وفي آسيا عادوا للظهور مرة أخري وأعلنوا العصيان وقاموا بثورة في عهد تحتمس الثالث وكونوا حلفاً قوياً من قبائل آسيا بقيادة ملك قادش، وقادش هي بلدة علي نهر العاصي شمال دمشق وهي أقوي ممالك سوريا آنذاك.
لذلك كان لزاماً علي الملك الفرعون أن يقضي علي هذا التحالف وذلك بالإستيلاء علي قادش حتي يتسني له الإستيلاء علي الممالك الأخري واحدة تلو الأخري.
طريق الجيش إلي مجدو
سار الملك تحتمس الثالث بجيشه من قلعة "سيله" (القنطره الحاليه) ووصل "غزه" بعد مسيرة عشرة أيام قطع فيها الجيش مسافة 125 ميلاً في صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ماء، ومن غزه سار بالجيش إلي "يحم" وعسكر فيها وعقد مجلساً حربياً هناك وحصل علي معلومات عن أماكن اختباء العدو.
وصل الجيش إلي مجدو وعسكر هناك حتي صباح يوم المعركة، وفي الصباح التالي خرج الجيش المصري بقيادة الملك الفرعون متخذاً العديد من الطرق الوعرة، وفي أثناء ذلك حدثت بعض المناوشات الصغيرة تمكن الجيش من اجتيازها وعسكر أخيراً في وادي "قنَّا".
![]() |
رسم تصويري لمعركة مجدو |
وفي هذا المكان حشد السوريون كل جيوشهم لصد الجيش المصري، ولكن الجيش المصري خدعهم وانتشر علي طول وادي نهر قنَّا حتي بلدة مجدو مهددين بذلك خطوط امدادات العدو.
حاول العدو أن يقوم بهجوم مضاد ولكن الجيش المصري لم يمنحهم الفرصة لذلك، وهنا أيقن العدو أن الجيش المصري حاصرهم ففروا هاربين إلي بلدة مجدو، وعندما رأي سكان البلدة ما حدث لجيوشهم أغلقوا أبواب المدينة وقاموا بصنع أحبال من ملابسهم وسحبوا الفارين علي الأسوار إلي الداخل.
في تلك الأثناء ساد الرعب والفزع بين جنود الجيش السوري وأصبحت الفرصة سانحة أمام الجيش المصري للإستيلاء علي المدينة عن طريق الهجوم أثناء هذا الإضطراب؛ لكن الجيش انشغل بالسلب في غنائم وخيرات العدو وذخائره المغرية؛ ولذلك صاعت عليهم فرصة الاستيلاء علي مجدو مما جعل الحصار أمراً لا مفر منه.
حشد الملك جيشه حول أسوار المدينة وأمرهم بإقامة المتاريس حولها ثم أصدر أوامره قائلاً "لا تسمحوا أحداً منهم أن يتخطي المتاريس إلا إذا كان قادماً ليسلم أبواب المدينة.."
وقد استمر الحصار سبعة أشهر خرج بعدها الأ خاضعين طالبين العفو من الملك تحتمس الثالث، فعفي عنهم الملك وأمر بأن يوهبوا الحياة؛ ذلك الأمر الذي جعل الأثري العظيم "ويجل" يطلق علي المصريين أنهم كانوا "أعظم شعوب العالم القديم رحمة وإنسانية".
![]() |
نقش من معبد الكرنك يصور الملك تحتمس الثالث في معركة مجدو |
أما عن ملك قادش فقد فر هارباً من المدينة لينجو بنفسه من قبضة الملك تحتمس الثالث وتزعم المقاومة في مكان آخر وكان سبباً في مضايقة الملك العديد من السنين.
بعذ ذلك أتي هؤلاء الأمراء حاملين العطايا من الذهب والفضة واللازورد والخمر والماشية ومؤن للجيش، فأصدر الملك تحتمس الثالث أوامره بتعيين هؤلاء الأمراء في مناصبهم مرة أخري بوصفهم تابعين له.
حملة السودان
كان أول ما قام به تحتمس الثالث بعد نهاية مشاريعه الحربية الضخمة في آسيا أنه سار علي رأس حملة إلي السودان وقام بمذبحة عظيمة فيهم حتي سار عددهم لايحصي، والمتبقي منهم اقتيد كأسري للعمل في معبد الإله آمون بالكرنك.
كما فرض الملك علي أهل "كوش" و "واووت" الجزية، وقام بإعادة حفر قناة عند الشلال الأول عندما وجدها مليئة بالأحجار.
بذلك امتدت حدود مصر حتي الشلال الرابع عند مستعمرة "نباتا" بالقرب من جبل "برقل"، واستمرت لأكثر من مائة عام نقطة الحدود بين مصر والجنوب وقد لعبت دوراً هاماً في عملية التجارة حيث كانت تصدر منها المحاصيل إلي الإمبراطورية المصرية.
حملة بلاد الرتنو
قام الملك بحملة ثانية ضد بلاد الرتنو والنقوش هنا تأتي مهشمة إلي حد كبير وما بقي من النص كانت الجزية التي جاءت من بلاد آشور وبلاد الرتنو وكانت عبارة عن اللازورد الحقيقي، وجلود الحيوان وأخشاب المرو والزيتون.
حملة ضد بدو الشاسو والرتنو
كما قام بحملة أخري لتأديب الذين يسكنون الشمال الشرقي علي الحدود المصرية وذلك للحد من أطماعهم، ومنهم بدو "الشاسو" و "الرتنو".
حملة ساحل فينيقيا
كما قام أيضاً بالإستيلاء علي موانئ ساحل فينيقيا وذلك قبل موقعة قادش لتكون قاعدة لجيوشه حتي يأمن الخطر الذي سيأتي من خلفه إذا ما فكر الإنطلاق نحو قادش؛ لذلك بني تحتمس الثالث أسطولاً عظيماً وزوده بالعتاد وقام بالإستيلاء علي ساحل فينيقيا وجعله بمثابة قاعدة حربية لمهاجمة قادش وما حولها من البلاد المعادية.
ولا نزاع أن هذه الخطة تدل علي ذكاء حربي كبير لم يصل إليه أحد من قبل، حتي قال أحد المؤرخين المحدثين أنه لو كانت هذه الخطط بعينها قد استخدمت في الحرب العالمية الأولي في الحملة ضد الأتراك لانتهت الحملة في العام الأول.
وخلاصة القول أن الحملات التي قام بها الملك تحتمس الثالث كانت درساً عملياً للعدو بأنه لا مفر من العصيان والثورة علي هذا الفرعون الجبار، وأنهم مهما كان تحالفهم فإن الملك أشد تحالفاً وأكثر ذكاءً منهم وأشد خطراً وبأساً.
وكان من نتائج ذلك أن أمضي تحتمس المدة الباقية من حياته لم يشهد أي ثورة أو تمرد في الأقاليم الآسيوية التي فتحها وقد استمر الوضع كذلك حتي وفاته بل وحتي بعد تولي خلفائه الحكم لم تشهد مصر أي نزاع في هذه المناطق.
أعماله المعمارية
المعابد
شيد الملك معبدين بالقرب من معبد الدير البحري، كما استكمل الأعمال التي بدأتها حتشبسوت في معبد هابو، وينسب له إنشاء البوابتان السادسة والسابعة في معبد الكرنك بالإضافة إلي قاعة الاحتفالات الكبري، وأقام معبداً للإله بتاح بالإضافة إلي معبدين آخرين أحدهما في ألفنتين للإلهة "ساتت" والآخر في سمنة.
المسلات
بعد أن توقف نحت المسلات الضخمة بسبب تدهور حالة البلاد الإقتصادية عاد مرة أخري في عصر الإمبراطورية المصرية فأقام تحتمس الثالث ما لا يقل عن سبع مسلات ضخمة.
1_مسلات العيد الثلاثيني
العيد الثلاثيني هو اليوم الذي يحتفل فيه بمرور ثلاثين عام علي حكم الملك، وقد طلب تحتمس الثالث من المهندس "بو إم رع" أن يقوم بنحت مسلتين ضخمتين بمناسبة هذا العيد.
2_مسلات العيد الثلاثيني الثاني
كلف الملك المهندس "من خبر رع سنب" بقطع مسلتين أخريتين بمناسبة هذا العيد، وأحد هاتين المسلتين هي الموجودة الآن في القسطنطينية والتي نقلها الإمبراطور "ثيودوروس".
![]() |
مسلة تحتمس الثالث في تركيا |
3_مسلة معبد الكرنك
قام الملك في أواخر أيامه بإقامة مسلة طولها 105 قدم جاءت من أسوان وأقيمت أمام البوابة الثامنة في معبد الكرنك، وكان الملك يفخر كثيراً بهذه المسلة لأنها كانت منفردة علي عكس المسلات السابقة.
4_ مسلة تحتمس الثالث يقيمها تحتمس الرابع
أمر الملك تحتمس الثالث بقطع هذه المسلة إلا أنه وافته المنية قبل أن يقيمها وظلت مهملة بعد موته قرابة خمسة وثلاثون عاماُ حتي جاء تحتمس الرابع الذي كان يتصف بأخلاق حسنة علي غير سلفه فأقام مسلة جده في مكانها الأصلي، ودون عليها نقوشاً كثيرة تدل علي احترامه وإجلاله لجده العظيم.
5_مسلات العيد الثلاثيني الثالث
في هليوبوليس (عين شمس حالياً) أقام الملك تحتمس الثالث مسلتين احتفالاً بعيده الثلاثيني الثالث بالإضافة إلي المسلة السابقة، ويبلغ طول الواحدة منهما أكثر من 70 قدماً إحداهما نقلت إلي إنجلترا، والأخري إلي نيويورك في سنترال بارك والتي يطلق عليها خطأ مسلة كليوباترا.
مقبرته
توفي الملك تحتمس الثالث بعد أن جلس علي عرش البلاد قرابة 54 عاماً، وقد دفن في مقبرته في "وادي الملوك" التي اكتشفت في ربيع 1898 وتقع علي مقربة من مقبرة رمسيس الثالث.
وعندما كشف عن قبره كان التابوت خاوياً، وذلك لأن مومياؤه تم نقلها إلي خبيئة في الدير البحري بعد أن عبث بها اللصوص وهشموا التابوت الخشبي ونهبوا ما عليها من حلي.
![]() |
مومياء تحتمس الثالث في المتحف المصري |
وتدل ملامح المومياء علي أن الملك كان فلاحاً من السلالات المصرية القديمة وقصير القامة وممتلئ الجسم ويتمتع بقوة العزيمة وشدة البأس.
تعليقات
إرسال تعليق