سر بناء الهرم الأكبر للملك خوفو
يعد الهرم الأكبر للملك خوفو أحد معجزات العالم القديم السبع والمعجزة الوحيدة الباقية حتي الآن، وموطن الاعجاز هذا يكمن في روحة بنائه وضخامته ودقة تصميمه وما يحيط به من الأساطير والأسرار التي لم تكتشف كاملة حتي يومنا هذا.
![]() |
أهرامات خوفو وخفرع ومنكاورع |
تم بناء الهرم الأكبر ليكون مقبرة للفرعون، وقد أشرف علي بنائه المهندس الشهير حم أيونو، وتم الاتفاق علي تسميته باسم آخت خوفو أي أفق خوفو، وقد بلغ ارتفاع الهرم حوالي 145 متر، واستغرق بنائه حوالي 20 عاما، ويحتوي الهرم علي أكثر من 2 مليون قطعة حجرية ضخمة يبلغ وزن القطعه الواحدة من 3 إلي 5 طن بل ووصلت وزن القطعة إلي أكثر من 50 طن في بعض الأماكن داخل الهرم مثل حجرة دفن الملك.
وقد ذكر الدكتور أحمد فخري في كتابه الأهرامات المصرية أن الهرم الأكبر للملك خوفو وصل إلي درجة كبيرة من العظمة والفخامة لدرجة أنه لو قطعنا أحجار الهرم إلي أجزاء صغيرة حجمها قدم مربعة ووضعناها بجانب بعضها البعض لبلغ طولها ثلثي طول الكرة الأرضية.
تخطيط الهرم الأكبر
تم بناء الهرم فوق قاعدة مربعة الشكل تم نحتها في صخر الهضبة طول كل ضلع فيها يبلغ حوالي 225 متر بزاوية قدرها 49درجة، ويقع المدخل الرئيسي للهرم في الجهة الشمالية ويرتفع عن القاعدة بمقدار 22 متر ولكن تم إخفاء هذا المدخل في العصور القديمة، إلا أن المدخل الأساسي للهرم والمعروف حالياً هو مدخل الخليفة المأمون.
تم نحت مدخل الخليفة المأمون في القرن التاسع الميلادي بمقدار 35 متر في صخر الهرم وصولاً إلى ممر صاعد ونفق هابط، أما النفق الهابط يؤدي إلى حجرة أسفل الهرم يعتقد أنه تم تشييدها في البداية لتكون حجرة دفن الملك ولكن تم تغيير التخطيط فيما بعد وتم بناء حجرة أخري لتكون حجرة الدفن الأصلية.
![]() |
تخطيط الهرم الأكبر للملك خوفو |
وهذه الحجرة نصل إليها عن طريق الممر الآخر الصاعد والذي يصل طوله إلى 35 متر يؤدي بدوره إلى حجرة دفن الملك خوفو والتي عرفت خطأ بأنها حجرة دفن الملكة وسبب هذا الخلاف أنه لم يعثر بها علي أي نقوش تذكر إسم صاحبها.
تم بناء حجرة الدفن الخاصة بالملك من الجرانيت الأحمر وقد بلغ وزن القطعه الواحدة ما يزيد عن 50 طن وعثر في هذه الحجرة علي تابوت فارغ بدون غطاء، كما توجد فتحات صغيرة في أعلي الجدران توصل إلي الخارج سميت بفتحات التهوية، والبعض يري أنها استخدمت لتسهيل عملية دخول وخروج روح الملك المتوفي في العالم الآخر.
ومن ضمن عبقرية المهندس حم أيونو أنه قام ببناء خمس حجرات فوق حجرة الدفن وذلك لتخفيف الضغط علي الحجرة إذا ما حدث زلزال أو شئ غير مألوف، وقد عثر في هذه الحجرات الخمس علي نقوش للعمال بناة الهرم باللون الأحمر تذكر أسماء فرق العمال مثل فرقة أصدقاء خوفو، وفرقة التاج الأبيض، وفرقة التاج الأحمر، كما عثر علي نقش يؤرخ بالعام السابع من حكم الملك خوفو.
كيف كان يتم بناء الهرم؟
الكثير منا يتساءل عن الطريقة التي توصل إليها المصريون القدماء في بناء الهرم الأكبر ليصل إلي هذا الشكل وهذه الفخامة في ظل عدم وجود آلات ومعدات تقنية حديثة وسوف نجيب عن هذا السؤال بشئ من التفصيل.
في البداية كانت تتم عملية قطع الحجارة وصقلها في محاجر طره وأسوان ووادي النطرون ويتم شحنها علي سفن عبر النيل وصولاً إلي المرسي علي الوادي أمام هضبة الهرم، ثم بعد ذلك يقوم العمال بسحب هذه الأحجار علي قواعد خشبية مخصصة لهذا الغرض وذلك باستخدام الحبال.
وعملية سحب الأحجار هذه كانت عملية بالغة الصعوبة واستنزفت الكثير من الجهد من العمال سواء في جر الأحجار علي الرمال أو سحبها علي المنحدرات المحيطة بالهرم تمهيداً لرصها بجانب بعضها البعض، وكلما اقترب العمل من الانتهاء كلما زادت صعوبة رفع الأحجار إلي أعلي الهرم.
وذكر الدكتور زاهي حواس أن عملية رص الأحجار كانت تتم بطريقة العاشق والمعشوق؛ حيث كانت تتم بدون استخدام أي مواد لاصقة للأحجار بل عن طريق الضغط الشديد للأحجار بجانب بعضها البعض.
![]() |
صوره توضح طريقة بناء الهرم |
الغرض من بناء الهرم الأكبر
يتساءل البعض منا ما السبب الذي دفع المصريون القدماء إلي بناء هرم بمثل هذه الضخامة؟ وهل هذا السبب يستحق كل هذا العناء وكل هذه التضحيات؟ وسوف نجيب عن هذا السؤال بالتفصيل.
يرجع السبب الرئيسي لبناء الهرم هو اعتقاد المصري القديم بأن الملك هو ممثل الإله حورس علي الأرض؛ لذلك يجب تشييد مقبرته حتي يرضي عنهم الملك وبالتالي ترضي عنهم الآلهة الكبري، ولذلك حرص المصريون القدماء علي بناء هذا الصرح العظيم ليكون مقبرة للفرعون الإله.
لماذا اتخذ الهرم الشكل الهرمي أو شكل المثلث؟
يرجع هذا إلي إيمان المصريون القدماء بمذهب يسمي (مذهب الخلق) والذي ينص علي أن الكون كان عبارة عن محيط يسمي المحيط الأزلي وخرج من هذا المحيط تل يسمي التل الأزلي ومن هذا التل العظيم ظهرت الآلهة الأم وتم التزاوج بينها ومن هنا نشأ الكون وظهرت الحياة علي الأرض ولذلك اتخذ الشكل الهرمي نسبة إلي هذا التل.
كيف كان يتم تجميع العمال للعمل في الهرم؟
كان الملك يتصل ببعض العائلات الكبري التي تحكم الصعيد والدلتا لإمداده بالعمال وفي المقابل يتم إعفاؤهم من الضرائب، أما العائلات الأخري فقد كلفت بتمويل الطعام والأدوات اللازمة للبناء، ولم يتعرض المصريون للسخرة والتعذيب كما يشاع من البعض حيث كان يتم تجميع العمال في أشهر الفيضان وذلك للقضاء علي البطالة ويتم توفير الرعاية الكاملة لهم وتقديم الطعام اللازم الذي تقدمه العائلات.
وإن كان المصريون حقا قد تعرضوا للتعذيب فلن نري هذا الشكل الرائع للهرم ولن يستمر العمل لمدة تزيد عن عشرون عاماً حرص خلالها المصريون علي إتمامه بشكل فريد من نوعه ليصبح آية في الفن المعماري حتي عصرنا الحالي.
وقد أسفرت الحفائر التي أجريت منذ عام 1998 إلي العثور علي مدينة العمال بناة الهرم علي يد العالم مارك لينر والعالم المصري الدكتور زاهي حواس وعثر بها علي ورش عمل ومخابز ومصانع جعة ونبيذ وأماكن سكن العمال.
الهرم الأكبر علي مر العصور التاريخية
عصر الدولة القديمة
كان الهرم الأكبر موضع اهتمام وتساؤل العديد من الناس منذ أقدم العصور حتي يومنا هذا، ورغبة من الناس في فهم أسراره فقد توغلوا بداخله منذ أيام الدولة القديمة أي أيام بناء الهرم ذاته واستغلوا ضعف الدولة في تلك الفترة وسرقوا ما بداخله من الكنوز والتحف.
عصر الدولة الوسطي
أما عن عصر الدولة الوسطي فلم يظهر المصريون أي اهتمام بالأهرامات ولا المعابد الملحقة بها؛ حيث قاموا ببناء أهرامات تلك الفترة في بلدة اللشت الحالية وانتزعوا أحجار المجموعة الجنائزية المسخدمة في بناء أهررامات الملك خوفو وخفرع ومنكاورع واستخدموها في بناء أهراماتهم.
عصر الدولة الحديثة
تمت الإشارة إلى ملوك الدولة القديمة خوفو وخفرع علي بعض آثار الدولة الحديثة، كما قام الأمير خعمواس ابن الملك رمسيس الثاني ببعض الترميمات في الهرم الأكبر وكانت ذكري هذا الحدث مدونة علي بعض أحجار الكساء الخارجي للهرم إلا أنها نزعت منذ فترة طويلة.
العصر اليوناني والروماني
نعلم أيضا من المصادر أن الهرم كان مفتوحا للزائرين خلال العصور اليونانية والرومانية، وكانوا يستطيعون الوصول إلي حجراته الداخلية، كما أنهم استخدموا الهرم في تلك الفترة لدفن موتاهم، لكن مع مرور الزمن تراكمت الرمال والأتربة وغطت المدخل الرئيسي للهرم وأخفته عن الأنظار.
العصر الإسلامي
في القرن التاسع الميلادي وبالتحديد في عهد الخليفة المأمون استهوته الحكايات والروايات التي كانت تدور حول الهرم وما بداخله من الكنوز فأمر رجاله بالحفر في عمق صخر الهرم عن طريق قطع الأحجار وصولاً إلي الداخل، ولكنهم لم يعثروا علي شئ ذو قيمة وهذا يعني أن الهرم قد سرق بالفعل في العصور الأقدم، وما زال هذا المدخل موجوداً حتي الآن وسمي بمدخل المأمون.
![]() |
صوره توضح المدخل الأصلي للهرم ومدخل المأمون |
العصر الحديث
وبداية من العصر الحديث ظهر الاهتمام بهذا الصرح الأثري العظيم، وبدأ الرحالة والأثريون الأوروبيون يظهرون إعجابهم به فقاموا بأخذ مقاييس نسبية للهرم، والبعض قام بعمل رسومات تخطيطية له، وفي عام 1811 قام العالم الإيطالي كافيليا بفحص الأجزاء الداخلية للهرم.
كما قام العالمين برنج وفيتز بعمل فحص شامل للهرم وأخذ مقاييس صحيحة ومن بعدهما العالم بتري الذي قام بأخذ مقاييس للهرم أيضا، وكلما زادت المقاييس كلما أصبحت أكثر دقة.
في أواخر القرن التاسع عشر قامت مصلحة الآثار المصرية بتنظيف الأجزاء الداخلية للهرم والربط بينها بالسلالم وأضاؤوها بالكهرباء ويتم الآن العمل علي إنشاء سور يحيط بالمنطقة لحمايتها.
خرافات وأكاذيب قيلت عن الهرم
من الخرافات التي قيلت عن الهرم أن الفضائيين هم من بنوا الهرم الأكبر وليس المصريين، أو أن قوم عاد هم من بنوه لأنهم تميزوا بأجسامهم الضخمة، أو أن اليهود هم من بنوا الهرم وكل هذه الإشاعات لا تمت للولقع بصلة.
والدليل علي ذلك أنه تم العثور علي بردية ترجع إلى عصر الملك خوفو تدل علي أن المصريين هم من بنوا الهرم وليس الفضائيين، كما عثر علي نقوش فوق حجرة دفن الملك تحمل أسماء فرق العمال بناة الهرم والتي كتبوها بأنفسهم.
أما عن اليهود فلم يكن لهم وجود في مصر قبل بناء الأهرامات حيث أن الهرم تم بناؤه عام 2600 قبل الميلاد، واليهود قد جاؤوا إلي وادي النيل عام 1100 قبل الميلاد أي أن هناك فارق زمني كبير بين بناء الهرم وبين وجود اليهود في مصر يصل إلي 1500 عام.
مراكب الشمس أو مراكب خوفو
في مايو 1954 تم اكتشاف سفينة ضخمة من خشب الأرز علي يد المهندس كمال الملاخ في حفرة كبيرة مغلقة بحجارة ضخمة وزنها 15 طن وذلك أثناء عمليات التنظيف والترميم التي كانت تتم بجوار المجموعة الهرمية، كما عثر علي حفرات أخري في الجهة الجنوبية والشرقية للهرم بها سفن مفككة.
![]() |
مركب الشمس للملك خوفو |
ويري البعض أن الغرض الأساسي من مراكب الشمس هو غرض جنائزي حيث أنها استخدمت لحمل جثمان الملك أثناء عملية الدفن، والبعض الآخر يري أنها مراكب مخصصة ليستخدمها الملك في رحلته في العالم الآخر.
وأثناء إزالة الأحجار التي استخدمت لغلق الحفرة عثر علي اسم الملك جدف رع ابن الملك خوفو أكثر من مرة منقوشا باللغة المصرية القديمة ونعرف من ذلك أنه قد تولي إتمام المجموعة الجنائزية بعد وفاة الملك خوفو.
وبعد إزالة الأحجار عثر علي السفينة مفككة إلي أجزاء بجانب بعضها البعض كما عثر علي أحبال ومشابك نحاسية ومسامير وحصير، وتم تجميع هذه الأجزاء وترميم السفينة ووضعها مع المراكب الأخري في متحف خاص بها سمي بمتحف الشمس بجوار هرم خوفو، ثم تم نقلها تمهيداً لعرضها بالمتحف المصري الكبير بالرماية.
تعليقات
إرسال تعليق